كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والطبرسي وتعقب ذلك الرازي بأن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردها على دون {رُدُّوهَا} بضمير الجمع.
فإن قالوا: هو للتعظيم كما في {رَبّ ارجعون} [المؤمنون: 99] قلنا لفظ {ردوها} مشعر بأعظم أنواع الإهانة فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم؛ وأيضًا إن الشمس لو رجعت بعد الغروب لكان مشاهدًا لكل أهل الدنيا ولو كان كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وحيث لم ينقله أحد علم فساده.
والذي يقول برد الشمس لسليمان يقول هو كردها ليوشع وردها لنبينا صلى الله عليه وسلم في حديث العير ويوم الخندق حين شغل عن صلاة العصر وردها لعلي كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه بدعائه عليه الصلاة والسلام، فقد روى عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحي إليه ورأسه في حجر علي كرم الله تعالى وجهه فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صليت يا علي؟ قال: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت ووقعت على الأرض وذلك بالصهباء في خيبر» وهذا الخبر في صحته خلاف فقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال إنه موضوع بلا شك وفي سنده أحمد بن داود وهو متروك الحديث كذاب كما قاله الدارقطني، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، وقال ابن الجوزي: قد روى هذا الحديث ابن شاهين فذكره ثم قال: وهذا حديث باطل ومن تغفل واضعه أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يلمح عدم الفائدة فيها وأن صلاة العصر بغيبوبة الشمس تصير قضاء ورجوع الشمس لا يعيدها أداء انتهى.
وقد أفرد ابن تيمية تصنيفًا في الرد على الروافض ذكر فيه الحديث بطرقه ورجاله وأنه موضوع.
قال الإمام أحمد: لا أصل له، وصححه الطحاوي والقاضي عياض، ورواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد حسن كما حكاه شيخ الإسلام ابن العراقي في شرح التقريب عن أسماء أيضًا لكن بلفظ آخر ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من علامات النبوة، وكذا اختلف في حديث الرد يوم الخندق فقيل ضعيف، وقيل؛ موضوع، وادعى العلامة ابن حجر الهثمي صحته، وما في حديث العير وأظن أنهم اختلفوا في صحته أيضًا ليس صريحًا في الرد فإن لفظ الخير أنه لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التي في العير قالوا: متى يجيء؟ قال: يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولي النهار ولم يجيء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس والحبس غير الرد ولو كان هناك رد لأدركه قريش ولقالوا فيه ما قالوا في انشقاق القمر ولم ينقل، وقيل: كأن ذلك كان بركة في الزمان نحو ما يذكره الصوفية مما يعبرون عنه بنشر الزمان وإن لم يتعلقه الكثير وكذا ما كان ليوشع عليه السلام فقد جاء في الحديث الصحيح «لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع بن نون» والقصة مشهورة وهذا الحديث الصحيح عند الكل يعارض جميع ما تقدم، وتأويله بأن المراد لم تحبس على أحد من الأنبياء غيري إلا ليوشع أو بالتزام أن المتكلم غير داخل في عموم كلامه بعد تسليم قبوله لا ينفي معارضته خبر الرد لسليمان عليه السلام فإنه بظاهره يستدعي نفي الرد الذي هو أعظم من الحبس له عليه السلام.
وبالجملة القول برد الشمس لسليمان عليه السلام غير مسلم، وعدم قولي بذلك ليس لامتناع الرد في نفسه كما يزعمه الفلاسفة بل لعدم ثبوته عندي، والذوق السليم يأبى حمل الآية على ذلك لنحو ما قال الرازي ولغيره من تعقيب طلب الرد بقوله تعالى: {فَطَفِقَ} الخ ثم ما قدمنا نقله من وقوع الصلاة بعد الرد قضاء هو ما ذهب إليه البعض.
وفي تحفة العلامة ابن حجر الهيتمي لو عادت الشمس بعد الغروب عاد الوقت كما ذكره ابن العماد، وقضية كلام الزركشي خلافه وأنه لو تأخر غروبها عن وقته المعتاد قدر غروبها عنده وخرج الوقت وإن كانت موجودة انتهى كلام الزركشي، وما ذكر آخرًا بعيد وكذا أولًا فالأوجه كلام ابن العماد ولا يضركون عودها معجزة له صلى الله عليه وسلم لأن المعجزة نفس العود وأما بقاء الوقت بعودها فحكم الشرع ومن ثم لما عادت صلى علي كرم الله تعالى وجهه العصر أداء بل عودها لم يكن إلا لذلك انتهى.
ولا يحضرني الآن ما لأصحابنا الحفنية في ذلك بيد أني رأيت في حواشي تفسير البيضاوي لشهاب الدين الخفاجي وهو من أجلة الأصحاب ادعاء أن الظاهر أن الصلاة بعد الرد أداء ثم قال: وقد بحث الفهقاء فيه بحثًا طويلًا ليس هذا محله، وقيل ضمير {تَوَارَتْ} للخيل كضمير {رُدُّوهَا} واختاره جمع فقيل الحجاب اصطبالاتها أي حتى دخلت اصطبلاتها، وقيل حتى توارت في المسابقة بما يحجبها عن النظر، وبعض من قال بإرجاع الضمير للخيل جعل عن للتعليل ولم يجعل المسح بالسوق والأعناق بالمعنى السابق فقالت طائفة: عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة فأشار إليهم إني في صلاة فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات فقال لما فرغ من صلاته: {إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير} [ص: 32] أي الذي لي عند الله تعالى في الآخرة بسبب ذكر ربي كأنه يقول فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى دخلت اصطبلاتها ردوها على فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها وتكريمًا.
وروى أن المسح كان لذلك عن ابن عباس والزهري وابن كيسان ورجحه الطبري، وقيل كان غسلًا بالماء ولا يخفى أن تطبيق هذه الطائفة الآية على ما يقولون ركيك جدًّا.
وقال الرازي: قال الأكثرون إنه عليه السلام فاته صلاة العصر بسبب اشتغاله بالنظر إلى الخيل فاستردها وعقر سوقها وأعناقها تقربًا إلى الله تعالى، وعندي أنه بعيد ويدل عليه وجوه، الأول: أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله تعالى: {وامسحوا برؤسكم} [المائدة: 6] اقطعوها وهذا لا يقوله عاقل بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه ذلك البتة، الثاني: أن القائلين بهذا القول جمعوا على سليمان أنواعًا من الأفعال المذمومة، فأولها: ترك الصلاة، وثانيها: أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إلى حيث نسي الصلاة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «حب الدنيا رأس كل خطيئة» وثالثها: أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة، ورابعها: على القول برجوع ضمير {أَوْ رُدُّوهَا} إلى الشمس أنه خاطب رب العالمين بكلمة لا يذكرها الرجل الحصيف إلا مع الخادم الخسيس، وخامسها: أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل سوقها وأعناقها وقد ورد النهي عن ذبح الحيوان إلا لأكله.
فهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان عليه السلام مع أن لفظ القرآن لا يدل على شيء منها، وسادسها: أن ذكر هذه القصة وكذا التي قبلها بعد أمره بالصبر على سفاهة الكفار يقتضي أن تكون مشتملة على الأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة والصبر على طاعة الله تعالى والإعراض عن الشهوات واللذات وأما اشتمالها على الإقدام على الكبائر العظيمة والذنوب الجسيمة فبمراحل عن مقتضى التعقيب أن كتاب الله تعالى ينادي على القول المذكور بالفساد.
والصواب أن يقال: إن رباط الخيل كان مندوبًا إليه في دينهم كما أن كذلك في دين نبينا صلى الله عليه وسلم ثم أن سليمان احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر إني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما أحبها لأمر الله تعالى وتقوية دينه وهو المراد من قوله: {عَن ذِكْرِ رَبِى} [ص: 32] ثم أنه عليه السلام أمر باعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك المسح أمور.
الأول: تشريف لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو، والثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه، والثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، فهذا التفسير الذي ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقًا موافقًا، ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، ثم قال: وأقول أنا شديد التعجب من الناس كيف قبلوا ما شاع من الوجوه السخيفة مع أن العقل والنقل يراد أنها وليس لهم في إثباتها شبهة فضلًا عن حجة ولفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرها الجمهور كما قد ظهر ظهورًا لا يرتاب العاقل فيه، وبفرض الدلالة يقال: إن الدلائل الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام ولم يدل دليل على صحة تلك الحكايات ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية فكيف الحكايات عن أقوام لا يبالي بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم انتهى كلامه.
وكان عليه الرحمة قد اعترض القول برجوع ضمير {تَوَارَتْ} إلى الشمس دون الصافنات بأن الصافنات مذكورة بصريحها والشمس ليست كذلك وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدر، وأيضًا أنه قال: {إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] وظاهره يدل على أنه كان يعيد ويكرر قوله إني أحبب حب الخير عن ذكر ربي إلى أن توارت بالحجاب فإذا كانت المتوارية الشمس يلزم القول بأنه كرر ذلك من العصر إلى المغرب وهو بعيد، وإذا كانت الصافنات كان المعنى أنه حين وقع بصره عليها حال عرضها كان يقول ذلك إلى أن غابت عن عينه وذلك مناسب، وأيضًا القائلون بالعود إلى الشمس قائلون بتركه عليه السلام صلاة العصر ويأباه أني أحببت الخ لأن تلك المحبة لو كانت عن ذكر الله تعالى لما نسي الصلاة ولما ترك ذكر الله عز وجل، وأقول: ما عند الجمهور أولى بالقبول وما ذكره عليهم من الوجوه لا يلتفت إليه ولا يعول عليه.
أما ما قاله من أنه لو كان مسح السوق والأعناق بمعنى القطع لكان امسحوا برؤسكم أمرًا بقطعها ففيه أن هذا إنما يتم لو قيل إن المسح كلما ذكر بمعنى القطع ولم يقل ولا يقال وإنما قالوا: إن المسح في الآية بمعنى القطع وقد قال بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في خبر حسن وقد قدمناه لك عن الطبراني والإسمعيلي وابن مردويه وليس بعد قوله عليه الصلاة والسلام قول لقائل، ويكفي مثل ذلك الخبر في مثل هذا المطلب إذ ليس فيه ما يخالف العقل أو نقلًا أقوى كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر هذا المعنى للمسح الزمخشري أيضًا وهو من أجلة علماء هذا الشأن، وصح نقله عن جماعة من السلف، وقال الخفاجي: استعمال المسح بمعنى ضرب العنق استعارة وقعت في كلامهم قديمًا، نعم احتياج ذلك للقرينة مما لا شبهة فيه، والقرينة عند من يدعيه هاهنا السياق وعود ضمير {تَوَارَتْ} على الشمس وهو كالمتعين كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى.
وأما قوله: إنهم جمعوا على سليمان عليه السلام أنواعًا من الأفعال المذمومة ففرية من غير مرية.
وقوله: أولها: ترك الصلاة فيه أن الترك المذموم ما كان عن عمد وهم لا يقولون به وما يقولون به الترك نسيانًا وهو ليس بمذموم إذ النسيان لا يدخل تحت التكليف على أن كون ما ترك فرضًا مما لم يجزم به الجميع، وقوله: ثانيها: أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إلى حيث ترك الصلاة، فيه أن ذلك اشتغال بخيل الجهاد وهو عبادة.
وقوله: ثالثها: أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة، فيه أنا لا نسلم أنه عليه السلام ارتكب ذنبًا حقيقة فضلًا عن كونه عظيمًا، نعم ربما يقال: إنه عليه السلام لم يستحسن ذلك بمقامه فاتبعه التقرب بالخيل التي شغل بسببها وذلك يدل على التوبة دلالة قوية ولم يكن ليتعطل أمر الجهاد به فقد أوتي عليه السلام عير ذلك على أن كون ما ذكر كالاستشهاد على قوله تعالى: {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] مشعر بتضمنه الأوبة وإن ذهبنا إلى تعلق {إِذْ عُرِضَ} [ص: 32] بأواب يكاد لا يرد هذا الكلام رأسًا.
وقوله: رابعها: أنه خاطب ربه عز وجل بلفظ غير مناسب، فيه أنه إن ورد فإنما يرد على القول برجوع ضمير {رُدُّوهَا} إلى الشمس ونحن لا نقول به فلا يلزمنا الجواب عنه، والذي نقوله: إن الضمير للخيل والخطاب لخدمته ومع هذا لم يقل تلك الكلمة تهورًا وتجبرًا كما يتوهم، وقوله: خامسها: أنه اتبع هذه المعاصي بعقر الخيل وقد ورد النهي الخ، فيه أنه عليه السلام لم يفعل معصية ليقال اتبع هذه المعاصي وأن الخيل عقرت قربانًا وكان تقريبها مشروعًا في دينه فهو طاعة، ومن مجموع ما ذكرنا يعلم ما في قوله سادسها: الخ على أنه قد تقدم لك وجه ربط هذه القصص بما قبلها وهو لا يتوقف على التزام ما قاله في هذه القصة وما زعمه من أنه الصواب ففي إرجاع ضمير توارت إلى الخيل، ولا يخفى على ذي ذوق سليم وطبع مستقيم أن توارى الخيل بالحجارة عبارة ركيكة يجل عنها الكتاب المتين، وفيه أيضًا أنه لا يكاد ينساق إلى الذهن متعلق {حتى تَوَارَتْ} الذي أشار إليه في تقرير ما زعم صوابيته وتعلقه بقال على ما يشير إليه كلامه المنقول آخرًا مما يستبعد جدًّا فإن الظاهر أن قوله: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] من المحكي كالذي قبله والذي بعده لا من الحكاية، وأيضًا كون الرد للمسح الذي ذكره خلاف ما جاء في الخبر الحسن وهو في نفسه بعيد، والأغراض التي ذكرها فيه لا يخفى حالها، ودعواه أن هذا التفسير هو الذي ينطبق عليه لفظ القرآن مما لا يتم لها دليل ولعل الدليل على عدم الانطباق ظاهر.
وقوله: أنا شديد التعجب من الناس الخ أقول فيه: أنا تعجبي منه أشد من تعجبه من الناس حيث خفي عليه حسن الوجه الذي استحسنه الجمهور ولم يطلع على ما ورد فيه من الأخبار الحسان وظن أن القول به مناف للقول بعصمة الأنبياء عليهم السلام حتى قال ما قال ورشق على الجمهور النبال، وقوله في ترجيح رجوع ضمير {تَوَارَتْ} إلى {الصافنات} على رجوعه إلى الشمس أنها مذكورة بصريحها دون الشمس ليس بشيء فإن رجوعه إلى الشمس يجعل الكلام ركيكًا فلا ينبغي ارتكابه لمجرد أن فيه رجوع الضمير إلى مذكور صريحًا على أن في كونه راجعًا إلى الصافنات المذكورة صريحًا بحثًا، ولا يرد على الجمهور لزوم تخالف الضمائر في المرجع وهو تفكيك لأن التخالف مع القرينة لا ضير فيه، وأعجب مما ذكر زعمه أنه يلزم على ما قال الجمهور أن سليمان عليه السلام كرر قوله: {إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى} [ص: 32] من العصر إلى المغرب فإن الجمهور ما حاموا حول ما يلزم منه ذلك أصلًا إذ لم يقل أحد منهم بأن حتى متعلق بقال كما زعم هو بل هي عندهم متعلقة بأحببت على المعنى الذي أسلفناه، ومن أنصف لا يرتضي أيضًا القول بأنه عليه السلام كرر ذلك القول إلى أن غابت الخيل عن عينه كما قاله به هذا الإمام، ويرد على قوله القائلون بالعود إلى الشمس قائلون بتركه عليه السلام صلاة العصر ويأباه {إِنّى أَحْبَبْتُ}. إلخ.
لأن تلك المحبة لو كانت عن ذكر الله تعالى لما نسي الصلاة أن الجمهور لا يقولون بأن على للتعليل والاباء المذكور على تقدير تسليمه لا يتسنى إلا على ذلك وما يقولونه وقد أسلفناه لك بمراحل عنه.
وبالجملة قد اختلت أقوال هذا الإمام في هذا المقام ولم ينصف مع الجمهور وهم أعرف منه بالمأثور نعم ما ذكره في الآية وجه ممكن فيها على بعد إذا قطع النظر عن الاخبار وما جاء عن السلف من الآثار، وقد ذكر نحوه عبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر وهو في الحقيقة والله تعالى أعلم من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره وقد خالف الجمهور كالإمام، قال في الباب المائة والعشرين من الفتوحات: ليس للمفسرين الذين جعلوا التواري للشمس دليل فإن الشمس ليس لها هنا ذكر ولا للصلاة التي يزعمون ومساق الآية لا يدل على ما قالوه بوجه ظاهر البتة، وأما استرواحهم فيما فسروه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} [ص: 34] فالمراد بتلك الفتنة إنما هو الاختبار بالخيل هل يحبها عن ذكر ربه تعالى لها أو يحبها لعينها فأخبر عليه السلام عن نفسه أنه أحبها عن ذكر ربه سبحانه إياها لا لحسنها وكمالها وحاجته إليها إلى آخر ما قال، وقد كان قدس سره معاصرًا للإمام وكتب إليه رسالة يرغبه فيها بسلوك طريقة القوم ولم يجتمعا، وغالب الظن أنه لم يأخذ أحدهما من الآخر ما قال في الآية بل لم يسمعه وعلم كل منهما لا ينكر والشيخ بحر لا يدرك قعره، وما ذكره في الاسترواح مما لم أقف عليه لأحد من المفسرين والله تعالى أعلم.